كان ينقص الحكم الصادر بكف الملاحقة عن سوزان الحاج حبيش أن يُحمّل زياد عيتاني مصاريف إقامته ١٠٩ أيام في أقبية المراكز الأمنية وسجن رومية. اعتقدت فور قراءتي خبر الحكم أن القضاة قرّروا، وفي فترة اعتكاف زملاءهم في القضاء المدني، أن يقدموا إلينا فاصل ترفيهي قبل الإفطار، فلو أضافوا تكبيد زياد مصاريف الإقامة لضحكنا أكثر.
ولكن المفاجأة أنهم لم يردوا إضحاكنا، بل أصدروا حكمهم غاية في الجدية. كنت أعتقد أن في هذه القضية مسرحية واحدة تُعرض على مسرح المدينة، لا في كل زاروب وحي ودكانٍ وقاعة محكمة. كنت أعتقد أن ماء وجه الدولة، بعد اقتطاع الرواتب وتنصيب النكتة في قائمة الجرائم ستعود لتُحفظ، فجفّف الحكم الصادر بحق الحاج وغبش كل ينابيعها.
حتى يومنا هذا تُفرش الحصائر في البيوت القروية بدلًا عن السجاد في الصيف. يدوس السكان عليها كي لا تقع أقدامهم على الغبائر والأوساخ التي تتعشعش في أرضية المنازل مع ارتفاع الحرارة. في لبنان، الحصيرة هي القانون يدوس عليه من ضغط لأجل تبرئة سوزان حبيش، وتحت القانون الحصيرة نتعشعش نحن في بلاد أكل أمثال داعميها كل مقدّراتها وأساساتها وحوّلوها بإتقان إلى مملكة من رمال أبراجها تزيلها المياه وبيوتها بكعب حذاء واحد تتهدّم.
القضية أُقفلت، ورغم إعلان زياد عيتاني نيّته ملاحقة وكشف أسماء الجميع إلّا أن يقينًا ينتابنا جميعًا أن حق زياد لن يعود. يقينٌ يقابله قرفٌ ويأسٌ ما بعده أمل. في هذه البلاد، فوق بقعة أسموها دولة، يُتّهم مواطن بريء بأقسى تهمة قانونية ويخرج من السجن بعد تعذيبه دون إعتذار. ولتعذيبه أكثر يُبرّأ الفاعل.
أنا زياد عيتاني، وهذه الدولة المفلسة قاضمة حق العسكريين والمدنيين فارضة الضرائب الهمجية سارقة الفقراء هي سوزان الحاج حبيش وحكم تبرئتها المبارك.